كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال العارف الجيلاني التلذذ بالبلاء من مقامات العارفين لكن لا يعطيه الله لعبد إلا بعد بذل الجهد في مرضاته فإن البلاء يكون تارة في مقابلة جريمة وتارة تكفيراً وتارة رفع درجات وتبليغاً للمنازل العلية ولكل منها علامة فعلامة الأول عدم الصبر عند البلاء وكثرة الجزع والشكوى للخلق وعلامة الثاني الصبر وعدم الشكوى والجزع وخفة الطاعة على بدنه وعلامة الثالث الرضا والطمأنينة وخفة العمل على البدن والقلب‏.‏

- ‏(‏هب فر عن أبي هريرة هب عن ابن مسعود‏)‏ عبد الله ‏(‏وكردوس‏)‏ بضم الكاف وآخره مهملة ‏(‏موقوفاً عليهما‏)‏ لم يرمز له بشي ووهم من زعم أنه رمز لضعفه وأنه كذلك‏.‏ قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى إنه يتقوى بعدد طرقه‏.‏

354 - ‏(‏إذا أحب الله قوماً ابتلاهم‏)‏ بأنواع البلايا حتى يمحصهم من الذنوب ويفرغ قلوبهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة وكدر الدنيا وتسليط أهلها ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة قال ‏{‏ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم‏}‏‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وكذا في الكبير ‏(‏هب والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ رجال الطبراني موثقون سوى شيخه انتهى وله طريق آخر فيها النعمان ابن عدي متهم ومن طريقه أورده ابن الجوزي وحكم بوضعه ورواه أحمد عن محمود بن لبيد وزاد فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع‏.‏ قال المنذري‏:‏ رواته ثقات ولعل المؤلف أغفله سهواً‏.‏

355 - ‏(‏إذا أحب الله عبداً حماه‏)‏ أي حفظه من متاع ‏(‏الدنيا‏)‏ أي حال بينه وبين نعيمها وشهواتها ووقاه أن يتلوث بزهرتها لئلا يمرض قلبه بها وبمحبتها وممارستها ويألفها ويكره الآخرة ‏(‏كما يحمي‏)‏ أي يمنع ‏(‏أحدكم سقيمه الماء‏)‏ أي شربه إذا كان يضره، وللماء حالة مشهورة في الحماية عند الأطباء بل هو منهي عنه للصحيح أيضاً إلا بأقل ممكن فإنه يبلد الخاطر ويضعف المعدة ولذلك أمروا بالتقليل منه وحموا المريض عنه فهو جلّ اسمه يذود من أحبه عنها حتى لا يتدنس بها وبقذارتها ولا يشرق بغصصها، كيف وهي للكبار مؤذية وللعارفين شاغلة وللمريدين حائلة ولعامة المؤمنين قاطعة والله تعالى لأوليائه ناصر ولهم منها حافظ وان أرادوها‏.‏

- ‏(‏ت ك‏)‏ في الطب ‏(‏هب عن قتادة بن النعمان‏)‏ بضم النون زيد ابن عامر بن سوار بن ظفر الظفري الأنصاري بدري من أكابر الصحابة أصيبت عينه يوم بدر أو أحد أو الخندق فتعلقت بعرق فردّها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن غريب وقال المنذري حسن ولم يرمز له المؤلف بشيء‏.‏

356 - ‏(‏إذا أحب الله عبداً‏)‏ أي أراد توفيقه وقدر إسعاده ‏(‏قذف‏)‏ أي ألقى وأصل القذف الرمي بسرعة فالتعبير به أبلغ منه بالإلقاء ‏(‏حبه في قلوب‏)‏ لم يقل في قلب وإن كان المفرد المضاف يعم لأنه أنص على كل فرد فرد ‏(‏الملائكة‏)‏ فيتوجه إليه الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة إذ كل منهم تبع لمولاه فإذا والى ولياً والوه، وناهيك بهذا المقام الجليل الذي يلحظ الملأ الأعلى صاحبه بالتبجيل، وعليه فمحبة الملائكة على ظاهرها المتعارف بين الخلق ولا مانع منه فلا ملجأ إلى القول بأن المراد به ثناؤهم عليه واستغفارهم له ‏(‏وإذا أبغض الله عبداً‏)‏ وضع الظاهر موضع الضمير تفخيماً للشأن ‏(‏قذف بغضه في قلوب الملائكة‏)‏ فيتوجه إليه الملأ الأعلى بالبغض ‏(‏ثم يقذفه‏)‏ أي ثم يقذف ما ذكر من الحب ‏[‏ص 247‏]‏ أو البغض ‏(‏في قلوب الآدميين‏)‏ ومن ثمرات المقام الأول وضع القبول لمن أحبه الله للخاص والعام فلا تكاد تجد أحداً إلا مائلاً إليه مقبلاً بكليته عليه وإذا أحب الله عبداً استنارت جهاته وأشرقت بنور الهداية ساحاته وظهرت عليه آثار الإقبال وصار له سيما من الجمال فنظر الخلق إليه بعين المودّة والتكريم ‏{‏ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏}‏ وحكم عكسه عكس حكمه وفيه حث عظيم على تحري ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه‏.‏

- ‏(‏حل‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏عن أنس‏)‏ وفيه يوسف بن عطية الوراق أو الصفار وكلاهما ضعيف‏.‏ قال الفلاس‏:‏ لكن الوراق أكذب لكن له شواهد نأتي‏.‏

357 - ‏(‏إذا أحب أحدكم‏)‏ محبة دينية قال الحراني‏:‏ من الحب وهو إحساس بوصلة لا يدرك كنهها ‏(‏أخاه‏)‏ في الدين كما يرشد إليه قوله في رواية صاحبه وفي أخرى عبداً ‏(‏فليعلمه‏)‏ ندباً مؤكداً أنه أي بأنه ‏(‏يحبه‏)‏ لله سبحانه وتعالى لأنه إذا أخبره به فقد استمال قلبه واجتلب وده فإنه إذا علم أنه يحبه قبل نصحه ولم يرد عليه قوله في عيب فيه أخبره به ليتركه فتحصل البركة‏.‏ قال البغدادي‏:‏ إنما حث على الإعلام بالمحبة إذا كانت لله لا لطمع في الدنيا ولا هوى بل يستجلب مودته فإن إظهار المحبة لأجل الدنيا والعطاء تملق وهو نقص والله أعلم ‏.‏

ظاهر الحديث لا يتناول النساء فإن اللفظ أحد بمعنى واحد وإذا أريد المؤنث إنما يقال إحدى لكنه يشمل الإناث على التغليب وهو مجاز معروف مألوف وإنما خص الرجال لوقوع الخطاب لهم غالباً وحينئذٍ إذا أحبت المرأة أخرى لله ندب إعلامها‏.‏

- ‏(‏حم خد د‏)‏ في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في الزهد وقال حسن صحيح ‏(‏حب ك‏)‏

وصححه ‏(‏عن المقداد بن معد يكرب‏)‏ الكندي صحابي له وفادة وشهرة ‏(‏حب عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏خد عن رجل من الصحابة‏)‏ رمز لحسنه وهو أعلى من ذلك إذ لا ريب في صحته‏.‏

358 - ‏(‏إذا أحب أحدكم صاحبه‏)‏ أي لصفاته الجميلة لأن شأن ذوي الهمم العلية والأخلاق السنية إنما هو المحبة لأجل الصفات المرضية لأنهم لأجل ما وجدوا في ذاتهم من الكمال أحبوا من يشاركهم في الخلال فهم بالحقيقة ما أحبوا غير ذواتهم وصفاتهم وقد يدعي شموله للمحبة الذاتية أيضاً إذا عرت عن المقاصد الفاسدة ‏{‏والله يعلم المفسد من المصلح‏}‏ ‏(‏فليأته‏)‏ وفي ‏(‏منزله‏)‏ أفضل ‏(‏فليخبره أنه يحبه‏)‏ بأن يقول له إني أحبك ‏(‏لله‏)‏ أي لا لغيره من إحسان أو غيره فإنه أبقى للألفة وأثبت للمودة وبه يتزايد الحب ويتضاعف وتجتمع الكلمة وينتظم الشمل بين المسلمين وتزول المفاسد والضغائن وهذا من محاسن الشريعة، وجاء في حديث أن المقول له يقول له أحبك الذي أحببتني من أجله‏.‏

- ‏(‏حم والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ نص رواية أحمد عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا سالم الجيشاني جاء إلى أبي أمامة رضي الله تعالى عنه في منزله فقال سمعت أبا ذر يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيتمي وإسناده حسن‏.‏

359 - ‏(‏إذا أحب أحدكم عبداً‏)‏ أي إنساناً ولا ينفك من هذا النعت قال‏:‏

وإن تسألوني قلت ها أنا عبده * وإن تسألوه قال ذلك مولاي

فالمراد شخص من المسلمين قريب أو غيره ذكراً أو أنثى لكن يظهر تقييده فيها بما إذا كانت حليلته أو محرمه ‏(‏فليخبره‏)‏ بمحبته له ندباً ‏(‏فإنه‏)‏ أي المحبوب ‏(‏يجد مثل الذي يجد له‏)‏ أي يحبه بالطبع لا محالة كما يحبه هو فإن القلب لا يحب إلا من يحبه كما قال‏:‏

يقاس المرء بالمرء * إذا ما هو ماشاه

وللشيء على الشيء * مقاييس وأشباه ‏[‏ص 248‏]‏

وللقلب على القلب * دليل حين يلقاه

وأنشد بعضهم‏:‏

سلوا عن مودات الرجال قلوبكم * فتلك شهود لم تكن تقبل الرشا

ولا تسألوا عنها العيون فإنها * تشير بشيء ضد ما أضمر الحشا

ولكون القلب يدل على القلب قال الحكماء المحبوب جزء محبوبه فمن أحب إنساناً لأجل أفعاله أو ذاته الجميلة فذاك جمال باطنه أشرق بمرآة جمال محبوبه والجمال الظاهر جزء من الجمال الباطن والألفة بين المتحابين ليست إلا للاشتراك في جمال الباطن أو ضده ولذلك ترى من هو قبيح المنظر وتحبه وترى حسن المنظر وتبغضه ولله در القائل‏:‏

وإذا اعتراك الوهم في حال امرئ * فأردت تعرف خيره من شره

فاسأل ضميرك عن ضمير فؤاده * ينبيك سرك بالذي في سره

وهذا يفتح لك باب سر الفراسة الحكمية ويسن أن يجيبه المخبر بقوله أحبك الذي أحببتني من أجله كما جاء في الخبر المار‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه عبد الله بن أبي مرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال تابعي مجهول‏.‏

360 - ‏(‏إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه‏)‏ أي يناجيه ‏(‏فليقرأ القرآن‏)‏ هذا من قبيل الاستعارة بالكناية فإن القرآن رسالة من الله لعباده فكأن القارئ يقول يارب قلت كذا وكذا فهو مناج له سبحانه وتعالى ويحتمل أنه من مجاز التشبيه وفي إشعاره أنه يتطهر ظاهراً وباطناً ويتدبر ويحضر قلبه وإذا مر بآية رحمة سألها أو آية عذاب استعاذ منه‏.‏

- ‏(‏خط فر عن أنس‏)‏ وفيه الحسين بن زيد قال الذهبي ضعيف‏.‏

361 - ‏(‏إذا أحببت رجلاً‏)‏ لا تعرفه ولم يظهر منه ما تكره ‏(‏فلا تماره‏)‏ أي لا تجادله ولا تنازعه ‏(‏ولا تشاره‏)‏ روي بالتشديد من المشارة وهي المضادة مفاعلة من الشر أي لا تفعل معه شراً تحوجه إلى فعل مثله معك وروي مخففاً من البيع والشراء أي لا تعامله ذكره الديلمي ‏(‏ولا تسأل عنه أحداً‏)‏ حيث لم يظهر لك منه ما تكره ‏(‏فعسى‏)‏ أي ربما ‏(‏أن توافى له‏)‏ أي تصادف وتلاقى يقال وافيته موافاة أتيته ‏(‏عدواً‏)‏ أو حاسداً ‏(‏فيخبرك بما ليس فيه‏)‏ مما يذم ‏(‏فيفرق بينك وبينه‏)‏ لأن هذا شأن العدو وقد قال سبحانه وتعالى ‏{‏واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا‏}‏ وهذا أمر إرشادي يقضي الطبع السليم والذكاء بحسنه ولو لم يسأل عنه فأخبره إنسان عنه بشيء مكروه فينبغي أن لا يبادر بمفارقته بل يتثبت ويفحص فربما كان المخبر عدواً‏.‏

- ‏(‏حل عن معاذ‏)‏ بن جبل وفيه معاوية بن صالح أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة وقال أبو حاتم لا يحتج به‏.‏

362 - ‏(‏إذا أحببتم‏)‏ أي أردتم ‏(‏أن تعرفوا ما للعبد‏)‏ أي الإنسان ‏(‏عند ربه‏)‏ مما قدر له من خير وشر ‏(‏فانظروا‏)‏ أي تأملوا ‏(‏ما يتبعه‏)‏ أي الذي يذكر عنه بعد موته وفي حياته ‏(‏من الثناء‏)‏ بالفتح والمد فإذا ذكره أهل الصلاح بشيء فاعلموا أن الله تعالى أجرى على ألسنتهم ماله عنده فإنهم ينطقون بإلهامه كما يفيده خبر إن الملائكة تتكلم على ألسنة بني آدم بما في العبد من الخير والشر فإن كان خيراً فليحمد الله ولا يعجب بل يكون خائفاً من مكره الخفي وإن كان شراً فليبادر بالتوبة وليحذر سطوته وقهره‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن علي‏)‏ وفيه عبد الله بن سلمة متروك ‏(‏و‏)‏ عن ‏(‏مالك‏)‏ بن أنس ‏(‏عن كعب موقوفاً‏)‏ وكعب الأحبار هو أبو إسحاق الحميري أسلم في خلافة أبي بكر أو عمر وسكن الشام ومات في زمن عثمان‏.‏

‏[‏ص 249‏]‏ 363 - ‏(‏إذا أحدث أحدكم‏)‏ أي انتقض طهره بأي شيء كان، وأصل أحدث من الحدث وفي المحكم الحدث الإيذاء وفي المغرب أما قول الفقهاء أحدث إذا أتى منه ما ينقض الطهارة لا تعرفه العرب ولذلك قال الأعرابي لأبي هريرة رضي الله عنه ما الحدث قال فساء أو ضراط ‏(‏في صلاته‏)‏ وفي رواية في الصلاة ‏(‏فليأخذ‏)‏ ندباً ‏(‏بأنفه‏)‏ أي يتناول ويقبض عليه بيده موهماً أنه رعف والأولى اليسرى ‏(‏ثم لينصرف‏)‏ فليتوضأ وليعد الصلاة كذا هو في رواية أبي داود وذلك لئلا يخجل ويسول له الشيطان بالمضي فيها استحياء عن الناس فيكفر لأن من صلى متعمداً بغير وضوء فقد كفر وليس هو من قبيل الكذب بل من المعاريض بالفعل وفيه إرشاد إلى إخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن ولا يدخل في الرياء بل هو من التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس ومشروعية الحيل التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية بل قد يجب إن خيف وقوع محذور لولاه كقول إبراهيم هي أختي ليسلم من الكافر‏:‏ وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرقاً للتخلص من الوقوع في المفاسد، وهذا الحديث قد تمسك بظاهره من ذهب من الأئمة إلى أن خروج الدم بنحو فصد أو حجم أو رعاف من نواقض الوضوء ومذهب الإمام الشافعي خلافه‏.‏

- ‏(‏ه حب ك‏)‏ في الطهارة ‏(‏هق‏)‏ في الصلاة ‏(‏عن عائشة‏)‏ أم المؤمنين رضي الله عنها قال الحاكم على شرطهما ومن أفتى بالحيل يحتج به انتهى ورواه أبو داود أيضاً والله تعالى أعلم‏.‏

364 - ‏(‏إذا أحسن الرجل‏)‏ يعني الإنسان ‏(‏الصلاة فأتم ركوعها وسجودها‏)‏ بأن يأتي بها بأركانها وشروطها وهذا تفسير لقوله أحسن واقتصر عليهما مع أن المراد إتمام جميع أركانها لأن العرب كانت تأنف من الإنحناء كراهة لهيئة عمل قوم لوط فأرشدهم إلى أنه ليس من هذا القبيل ‏(‏قالت الصلاة حفظك الله كما حفظتني‏)‏ أي حفظاً مثل حفظك لي بإتمام أركاني وكمال إحساني بالتأدية بخشوع القلب والجوارح وهذا من باب الجزاء من جنس العمل فكما حفظ حدود الله تعالى فيها قابلته بالدعاء بالحفظ‏.‏ وإسناد القول إلى الصلاة مجاز ولا مانع من كونه حقيقة لما مر أن للمعاني صوراً عند الله لكن الأول أقرب ‏(‏فترفع‏)‏ إلى عليين كما في خبر أحمد في رفع صحف الأعمال وهو كناية عن القبول والرضا ‏(‏وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني‏)‏ أي ترك كلاءتك وحفظك حتى تهلك جزاء لك على عدم وفائك بتعديل أركاني قال ابن جني‏:‏ الضيعة الموضع الذي يضيع فيه الإنسان ومنه ضاع يضيع ضياعاً إذا هلك قال القرطبي‏:‏ فمن لم يحافظ على ركوعها وسجودها لم يحافظ عليها ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع كما أن من حافظ عليها فقد حفظ دينه ولا دين لمن لا صلاة له ‏(‏فتلف‏)‏ عقب فراغه منها كما يؤذن به فاء التعقيب ويحتمل أن ذلك في القيامة ‏(‏كما يلف الثوب الخلق‏)‏ بفتح المعجمة واللام أي البالي ‏(‏فيضرب بها وجهه‏)‏ أي ذاته وذلك بأن تجسيم كما في نظائره لكن الأوجه أنه كناية عن خيبته وخسرانه وإبعاده وحرمانه فيكون حاله أشد من حال التارك رأساً كيف والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة أسوأ حالاً من المعرض عن الخدمة بالكلية‏؟‏ قال الغزالي‏:‏ فينبغي للإنسان إذا أقبل على الصلاة أن يحضر قلبه ويفرغه من الوسواس وينظر بين يدي من يقوم ومن يناجي ويستحيي أن يناجيه بقلب غافل وصدر مشحون بوسواس الدنيا وخبائث الشهوات ويعلم أنه مطلع على سريرته ناظر إلى قلبه وإنما يقبل من صلاته بقدر خشوعه وتضرعه وتذللّه فإن لم ‏[‏ص 250‏]‏ يحضر قلبه هكذا فهو لقصور معرفته بجلال الله تعالى فيقدر أن رجلاً صالحاً من وجوه الناس ينظر إليه ليعرف كيف صلاته فعند ذلك يحضر قلبه وتسكن جوارحه، فإذا قدر اطلاع عبد ذليل لا ينفع ولا يضر يخشع له ولا يخشع لخالقه فما أشد طغيانه وجهله ‏(‏تتمة‏)‏ قال في الحكم أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود وكذا الطبراني والبيهقي في الشعب ‏(‏عن عبادة‏)‏ بضم المهملة وخفة الموحدة ‏(‏ابن الصامت‏)‏ ضد الناطق ابن قيس الأنصاري صحابي فاضل رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه محمد بن مسلم بن أبي وضاح قال في الكاشف وثقه جمع وتكلم فيه البخاري وأحوص بن سليم ضعفه النسائي وقال المديني لا يكتب حديثه‏.‏

365 - ‏(‏إذا اختلفتم‏)‏ أي تنازعتم أيها المالكون لأرض وأردتم البناء فيها قال ابن جرير أو قسمتها ولا ضرر على أحد منهم فيها ‏(‏في الطريق‏)‏ أي في قدر غرس الطريق التي تجعلونها بينكم للمرور فيها فإذا أراد البعض جعلها أقل من سبعة أذرع وبعضهم سبعة أو أكثر مع اجتماع الكل على طلب فرض الطريق ‏(‏فاجعلوه‏)‏ وجوباً بمعنى أنه يقضي بينهم بذلك عند الترافع كما بينه ابن جرير الطبري فليس المراد الإرشاد كما وهم ‏(‏سبعة‏)‏ وفي رواية سبع‏.‏ قال النووي‏:‏ وهما صحيحان فالذراع يذكر ويؤنث ‏(‏أذرع‏)‏ بذراع البنيان المعروف وقيل بذراع اليد المعتدلة ورجحه ابن حجر وأصل الذراع كما قال المطرزي من المرفق إلى طرف الأصابع ثم سمى به الخشبة أو الحديدة التي يذرع بها وتأنيثه أفصح وذلك لأن في السبعة كفاية لمدخل الأحمال والأثقال ومخرجها ومدخل الركبان والرحال ومطرح الرماد وغيره ودونها لا يكفي لذلك قال الإمام الطبري وتبعه الخطابي هذا إذا بقي بعده لكل واحد من الشركاء فيه ما ينتفع به بدون مضرة وإلا جعل على حسب الحال الدافع للضرر، أما الطريق المختص فلا تحديد فيه فلمالكه جعله كيف شاء وأما الطريق المسلوك فيبقى على حاله لأن يد المسلمين عليه وأما في الفيافي فيكون أكثر من سبعة لممر الجيوش ومسرح الأنعام وإلتقاء الصفوف‏.‏ وقال النووي‏:‏ حديث السبعة أذرع محمول على أمهات الطرق التي هي ممر العامة لأحمالهم وماشيتهم بأن يتشاحح من له أرض يتصل بها مع من له فيها حق فيجعل بينها سبعة أذرع بالذراع المتعارف أما ثنيات الطرق فبحسب الحاجة وحال المتنازعين فيوسع لأهل البدو ما لا يوسع لأهل الحضر وفي الفيافي يجعل أكثر من سبعة لأنها ممر الجيوش والقوافل ولو جعلت الطريق في كل محل سبعة أضر بأملاك كثير من الناس انتهى، والحاصل أن الطريق يختلف سعتها بحسب اختلاف أحوالها كما في المطامح قال ابن حجر‏:‏ ويلحق بأهل البنيان من قعد في حافة الطريق للبيع فإن كلن الطريق أزيد من سبعة لم يمنع من القعود في الزائد وإن كان أقل منع‏.‏

- ‏(‏حم م د‏)‏ في البيوع ‏(‏ت‏)‏ وقال حسن صحيح ‏(‏ه عن أبي هريرة حم ه هق عن ابن عباس‏)‏ ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وأمر بخلافه بل رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وعزاه له جمع منهم الديلمي وغيره‏.‏

366 - ‏(‏إذا أخذ‏)‏ أي شرع ‏(‏المؤذن في أذانه‏)‏ أضاف إليه لأنه المنادى به والمراد الأذان المشروع والمؤذن الذي يصح أذانه ويحتسبه ‏(‏وضع الرب‏)‏ وفي رواية للطبراني وضع الرحمن ‏(‏يده فوق رأسه‏)‏ كناية عن كثرة ادرار الرحمة والإحسان والبركة والمدد الرباني عليه وإيصال البر والخير إليه فأطلق اليد وأراد النعمة التي خص بها المؤذن وفضله بسببها على كثير من الناس وعبر بالفوقية لأن له المثل الأعلى ويحتمل أن يأمر الله تبارك وتعالى ملكاً يضع يده على رأسه حقيقة فأضيف الفعل إلى الله لأنه أمره بذلك كما يقال ضرب الأمير اللص وبنى الأمير المدينة أي أمر بضربه والأول أقعد ‏(‏فلا يزال كذلك‏)‏ أي ينعم عليه بما ذكر ‏(‏حتى‏)‏ أي إلى أن ‏(‏يفرغ من ‏[‏ص 251‏]‏ أذانه‏)‏ أي يتمه ‏(‏وأنه‏)‏ أي والشأن أو الحال ‏(‏ليغفر له‏)‏ بضم التحتية والراء ‏(‏مد صوته‏)‏ أي مقدار غايته بمعنى أنه لو كانت ذنوبه متجسمة تملأ ذلك الفضاء لعفرت كلها وأنكر بعض أهل اللغة مد بالتشديد وصوب أنه مدى كما في رواية الطبراني وليس بمنكر بل هما لغتان لكن مدى أشهر ‏(‏فإذا فرغ‏)‏ من أذانه ‏(‏قال الرب‏)‏ تعالى وآثره لأنه المناسب لتربية الأعمال ‏(‏صدق عبدي‏)‏ فيما قاله وأضافه إليه للتشريف ‏(‏وشهدت‏)‏ يا عبدي ففيه إلتفات ‏(‏بشهادة الحق‏)‏ وهي أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ونص على هذا مع دخوله في التصديق إشارة إلى أن المقصود من الأذان الإتيان بالتشهد ‏(‏فأبشر‏)‏ بما يسرك من الثواب وهذا في المحتسب ويحتمل العموم وفضل الله واسع وفيه بيان فضل الأذان وكثرة ثوابه وندب رفع الصوت به ما أمكن حيث لا يؤذي‏.‏